الأحد 12 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مشروع أمريكى أوروبى لإعادة إحيائه  ممر لوبيتو.. شريان تنمية للقارة السمراء 

بهدف التواجد المؤثر والقوى فى إفريقيا تبحث الولايات المتحدة الأمريكية، وبدعم أوروبى تمويل إعادة إحياء ممر لوبيتو التجارى الذى يربط طرفى القارة عبر خط سكك حديدية يصل طوله 1300 كيلو متر انطلاقا من أنجولا فى غرب إفريقيا مرورا بالكونغو الديمقراطية إلى أن يصل إلى دولة تنزانيا فى شرق إفريقيا. 



يأتى ذلك فى ضوء ما تشهده منطقة الساحل الوسطى فى إفريقيا من أحداث ساخنة، تجسدت فى الانسحاب الفرنسى من دول مالى والنيجر وبوركينافاسو، وانسحاب الدول الثلاثة من تحالف «الإيكواس» الذى يصل عمره لـ49 عاما ويضم 15 عضوا، وإعلان الدول المنسحبة اعتزامها إنشاء كونفدرالية خاصة بها. 

فى سبتمبر الماضي، أعلنت الولايات المتحدة، استعدادها توسيع مشروع السكك الحديدية الخاص بممر لوبيتو الذى يقطع مسافة 1300 كم من ميناء لوبيتو على ساحل المحيط الأطلسى متجها شرقاً عبر أنجولا إلى الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، وعلى مسافة قريبة من الحدود الزامبية. 

ويعود سبب  طرح مشروع إعادة إحياء ممر لوبيتو الذى يشمل المشروع بناء نحو 800 كم من خطوط السكك الحديدية بالإضافة إلى تحديث 500 كم من مسارات السكك الحديدية القائمة وإجراء تحسينات فى الميناء، إلى الأهمية الاستراتيجية للممر الذى يعد أقصر الطرق، لواشنطن وحلفائها، للوصول للمعادن النادرة والثمينة  فى إفريقيا وتسريع وصول هذه المعادن الحيوية للأسواق الأمريكية والأوروبية، وتعزيز التنمية الاقتصادية الأفريقية والحد من الاعتماد على الصين فى خطوط إمداد المعادن الحيوية إذ أن 80% من مناجم النحاس فى الكونغو الديمقراطية مملوكة للصينيين. 

وتستخرج الصين %85 من المعادن النادرة فى الكونغو الديمقراطية، بما فى ذلك %76 من الكوبالت، وهو معدن أساسى فى تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية. 

كان الممر الذى توقف عن العمل فى سبعينيات القرن الماضي، نتيجة الحرب الأهلية فى أنجولا ولعقود من الزمن بمثابة الشريان الحيوى للنقل فى هذه المنطقة.

تاريخيا شيد الممر الممتد لـ1800 كم على يد البريطانيين عام 1902، بإقامتهم خط سكة حديد يمتد لأكثر من 1300 كلم فى أنجولا؛ من مقاطعة بنجويلا إلى مقاطعة موكسيج، وداخل الأراضى الكونغولية بطول 400 كلم نحو مدينة التعدين كولويزي، ثم بنحو 100 كلم أخرى وصولا إلى حزام النحاس فى زامبيا. 

 دور مصر فى إعادة إحياء الممر 

وأعربت مصر خلال استضافتها للجولة الأولى من المشاورات السياسية بين مصر وأنجولا على مستوى كبار المسؤولين، فى إطار حرص مصر على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية، عن استعدادها لتقديم المساعدات اللوجستية والتقنية والهندسية لدعم مشروع إعادة إحياء ممر لوبيتو ، وخاصة فى مجالات النقل وتطوير خطوط السكك الحديدية.

واعتبرت مصر خلال جولة المشاورات التى ترأس الوفد المصرى السفير إيهاب عوض، مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية، بينما قاد الوفد الأنجولى السفير خورخى كاتارينو كاردوسو، مدير إدارة إفريقيا والشرق الأوسط والمنظمات الإقليمية، المشروع يُعد بمثابة مبادرة حيوية لتعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادى فى جنوب القارة الإفريقية.

كانت الولايات المتحدة قد أعلنت عن أكبر استثمار فى البنية التحتية داخل القارة الإفريقية، بالتزامن مع زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى أنجولا فى شهر سبتمبر الماضى.

يشمل المشروع ضخ 600 مليون دولار، بتمويل إضافى من الاتحاد الأوروبى، لتوسيع ممر لوبيتو ليصبح حزامًا اقتصاديًا يربط المحيط الأطلسى بالمحيط الهندى، عبر إنشاء خط سكة حديد أخضر بطول 830 كيلومترًا يربط بين أنجولا وزامبيا عبر الكونغو الديمقراطية، متصلًا بخطوط السكك الحديدية فى زامبيا وصولًا إلى تنزانيا.

 ومن المتوقع أن يُنجز المشروع بحلول عام 2029، ليعزز التكامل الاقتصادى الإقليمى والتجارة بين شرق وجنوب إفريقيا، مما يوفر طريقًا أسرع وأكثر كفاءة لنقل المعادن الاستراتيجية.  

يركز المشروع على تأمين إمدادات المعادن الاستراتيجية مثل الكوبالت، والنيكل، والليثيوم، والنحاس، التى تعد حيوية للصناعات التكنولوجية. 

يمثل ممر لوبيتو خطوة أمريكية رئيسية لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومحاولة لتقليص الاعتماد على الصين التى تهيمن على مناجم المعادن فى إفريقيا.  

وأشارت توقعات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب على النيكل والكوبالت والليثيوم سيرتفع بمقدار 20 ضعفًا بين عامى 2020 و2040، ما يجعل إفريقيا شريكًا لا غنى عنه فى تأمين هذه الموارد.  

يقود المشروع «اتحاد ممر لوبيتو»، وهو مشروع مشترك يضم شركات عالمية مثل ترافيجورا وموتو- إنجيل، بالشراكة مع حكومات أنجولا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وزامبيا. كما يدعم المشروع مؤسسات دولية مثل البنك الإفريقى للتنمية، والاتحاد الأوروبي، ومؤسسة التمويل الإفريقية.  

يهدف المشروع إلى تحسين فرص التصدير للدول الإفريقية غير الساحلية مثل زامبيا والكونغو الديمقراطية، من خلال تسهيل وصول الموارد إلى الأسواق العالمية بسرعة وكفاءة، بما يتماشى مع أجندة الاتحاد الإفريقى لتسهيل التجارة.  

ويمثل ممر لوبيتو أول استثمار أمريكى كبير فى السكك الحديدية بالقارة، ويُنظر إليه كاختبار لإمكانية توسيع الاستثمارات المستقبلية فى البنية التحتية الإفريقية، خاصة أنه حتى وقت قريب، كان الوجود الأمريكى فى إفريقيا يقتصر على المساعدات والمبادرات التنموية، مع غياب كبير للاستثمارات فى البنية التحتية. 

تعمل دول غرب إفريقيا الثلاث (مالي، النيجر، بوركينا فاسو)، التى انسحبت من مجموعة «إيكواس»، على استكشاف شراكات جديدة للاستفادة من اقتصاد الممرات. 

وعلى الرغم من الخطوات الأمريكية، لا تزال الصين تحتل موقع الشريك الموثوق به لدى إفريقيا، حيث تستثمر بكين بكثافة فى مشروعات البنية التحتية والتعدين فى القارة.  

من المتوقع أن يُسهم ممر لوبيتو فى تقليل تكاليف النقل والخدمات اللوجستية، مما يفتح الباب أمام استثمارات واسعة فى قطاع التعدين داخل إفريقيا. 

ويسعى المشروع لتجنب الاعتماد على منافذ محدودة مثل ميناء لوبيتو، من خلال تطوير ميناء دار السلام فى تنزانيا كمخرج إضافى إلى المحيط الهندي.  

على الرغم من هذه الجهود، لا يزال أمام الولايات المتحدة طريق طويل لمنافسة النفوذ الصينى المتزايد فى إفريقيا، إذ تحتفظ بكين بمكانة متقدمة كشريك رئيسى للقارة، بفضل استثماراتها الضخمة التى تفوق بكثير نظيراتها الغربية.